الموسيقى ام اللغات
لقاء مع الكاتب
ثائر صالح
اجرى الحوار: د. توفيق التونجي
سماع
هايدن وموتسارت وبيتهوفن وتشايكوفسكي وبرامز كان طبيعياً بالنسبة لي، وهو ما نمى
لدي حب الموسيقى الكلاسيكية. ولا ننسى دور أفلام الكارتون في تلك الفترة التي كانت
في تقديري أحد أهم مصادر تحبيب الموسيقى الكلاسيكية للأطفال، على الأقل تعريفهم
بها. عندما كبرت بدأت بتجميع التسجيلات التي تعجبني وتلك التي قرأت عنها، وكنت
أقتنيها من قسم الموسيقى في (محلات اوروزدي باك)، وأحيانا كنت أتفق مع حكمت مدير
القسم فيستوردها لي. وكنت أحصل على تسجيلات كثيرة من أصدقائي الذين يقضون عطلهم
الصيفية في أوروبا، فيجلبون معهم تسجيلات موسيقية. وكان للمركز الثقافي الفرنسي
مكتبة موسيقية عامرة استعرت منها التسجيلات النادرة، على الخصوص تسجيلات عصر
الباروك الفرنسي الذي تعرفت عليه هناك.
كانت
الحفلات الموسيقية ظاهرة منتشرة في بغداد في فترة السبعينات، فحفلات الفرقة
السيمفونية الوطنية الشهرية تقام في قاعة الشعب ولاحقاً في قاعة الخلد، وقدمت
حفلات موسيقى الحجرة في (مكتبة الطفل العربي)، وكانت المراكز الثقافية تقدم حفلات
يؤديها عازفون عراقيون وأجانب بانتظام. كنت احضر هذه الحفلات بشكل مستمر.
قرأت كل
الكتب الموسيقية التي حصلت عليها، خاصة الإنكليزية التي أقتنيها من مكتبة في شارع
السعدون كانت قريبة من ساحة الجندي المجهول. بين هذه الكتب عمل اوتّو كارويي
"مدخل الى الموسيقى" الذي بدأت بترجمته سنة 1979 في بغداد وأكملته في صيف
1980بعد انتقالي الى بودابست، لكنه لم ينشر إلا في 2014.
لموسيقى الغجر التراثية اثر واضح على العديد من المؤلفات
السيمفونية في الغرب. كيف ترون عملية تطعيم الموسيقى بالتراث الموسيقى الشعبي؟
تقسم الموسيقى
على العموم الى نوعين، الموسيقى التي يؤلفها شخص معين (حتى لو كان مجهول الهوية)، وهي
الموسيقى "المكتوبة" أو "المؤلفة"، وتلك التي تدخل في خانة
الموسيقى الشعبية التي تتناقلها الشفاه مثل اللغة الأم، وهي غنائية على الأغلب، لا
يعرف مؤلفها وغالباً ما ترتبط بمنطقة جغرافية محددة في البلد، وهي قد تختلف في
لحنها أو كلماتها بشكل طفيف عن شقيقاتها في مناطق البلاد الأخرى، إن وجدت هناك.
موسيقى الغجر التي تتحدثون عنها هي خليط بين الاثنين، على الأقل في وسط أوروبا
وبالذات في حوض جبال الكاربات. إذ تميز جزء من الغجر بمهارات موسيقية فائقة في
العزف على الأدوات الموسيقية، خاصة العزف على الكمان والسنطور (سيمبالوم، سيمبال
الخ). فموسيقى الغجر هي خلطة متنوعة من تراثهم الشعبي الغنائي وتراث الشعوب التي
عاشوا بينها (مجريين أو رومان أو سلوفاك أو صرب الخ)، أضافوا اليها بعض المؤلفات
التي ألفوها بروحية الموسيقى الشعبية، عزفوا كذلك أغاني الأوبريتات الناجحة التي
تلقى رواجاً كبيراً بين الناس. فهي أقرب الى الموسيقى المكتوبة، المؤلفة وليست
الشعبية. اشتهر في المجر مثلا پـِشتا
دانكو 1858 – 1903 عازف الكمان الشهير من مدينة سَـگَـد الذي ألف الكثير من
الأغاني التي دخلت في التراث الموسيقي. وقد تأثر موسيقيون كبار بموسيقى فرق الغجر
التي جابت المدن الأوروبية، منهم يوهانس برامز الذي اعجب بها وهو يافع في هامبورغ
حتى قبل انتقاله الى فيينا حيث تواجدوا بكثرة، واليها تعود جذور رقصاته المجرية
الشهيرة.
استعمال
الموسيقى الشعبية جانب آخر من التأليف الموسيقي، بدأ هذا يبرز بقوة مترافقاً مع
العمل الميداني الطليعي الذي قام به الباحثون المجريون بيلا بارتوك 1881 – 1945 ولاسلو
لايتا 1892 – 1963 وزولتان كودايي 1882 – 1967 في تجميع التراث الغنائي الشعبي
المجري وتراث الشعوب المتعايشة في حوض الكاربات (وما وراءها، فقد جمع بارتوك
الأغاني الشعبية في تركيا ولبنان والجزائر). ولا نزال نتمتع بعمل بارتوك الشهير
"الرقصات الرومانية" التي استندت إلى التوثيق والمسح الميداني الذي قام
به شخصيا. لكن سبق هؤلاء في التعامل مع التراث الشعبي عدد من الموسيقيين الكبار
مثل هايدن الذي أعاد توزيع الأغاني الإنكليزية والسكتلندية مثلا، لكن هذا تم من
منطلقات مختلفة واستند على أساس مختلف. هنا أود التركيز على جانب هام في عمل
بارتوك، وفهمه لمسألة "القومية". يتعامل بارتوك مع "القومية"
ايجابياً، وهو يعرف من معاينته الميدانية أن الفلاح المجري والروماني ليسا أعداء،
انما يثير النعرات بينهما قادتهما لمطامع شخصية أو سياسية. وقد ألف بارتوك وصحبه
الكثير من الأعمال الموسيقية التي تتعامل مع المادة الفولكلورية التي جمعوها
ميدانياً، استعملوا فيها الايقاعات المعقدة والسلالم الموسيقية المميزة لها فأصبح
منهجهم طريقاً سار عليه اللاحقون في تجميع التراث الشعبي على أسس علمية في مختلف
بقاع العالم.
وأضيف
هنا أن الدراسات الحديثة على الألواح السومرية تثبت إن اليونانيين وفيثاغورس أخذوا
نظرية الموسيقى البابلية عند انفتاحهم على الشرق بحدود القرن الثامن ق.م.
السومريون والبابليون درسوا الأبعاد الموسيقية بشكل تفصيلي وحددوا الأصوات استنادا
إلى النسب بين طول الأوتار، وهو ما فعله فيثاغورس لاحقاً. فقد عرفوا أن النسبة 1/2 هي نسبة الأوكتاف، ونسبة 2/3 هي نسبة الخامسة (المسيطرة) مثلا. ويؤكد البروفيسور ريتشارد
دمبريل عالم الموسيقى الآثارية المعروف أن الأبعاد الموسيقية البابلية تشبه الى حد
بعيد الأبعاد الموسيقية العربية، وتنتظم في "أجناس" مثل المقامات
العربية التي تبنى من هذه الأجناس. هذه الأبعاد هي أبعاد طبيعية تناسب الموسيقى وحيدة
الصوت (المونوفونية) الشائعة حتى اليوم في الشرق.
استعمل
الأوربيون سلالمهم التي كانت طبيعية في البداية، وقد استندت إلى المقامات
اليونانية البيزنطية التي عرفها العباسيون أيضاً لكنها تطورت بمرور الزمن. غير أنهم
واجهوا معضلة بسبب ابتكارهم التعددية الصوتية (البوليفونية) والتناغم أو التآلف
الصوتي (الهارموني). إذ اكتشفوا ظهور تنافر
صوتي (نشاز) بين بعض النغمات. والتنافر ينشأ في حالة تداخل موجتين صوتيتين إحداهما
مع الأخرى فتتولد نبضات إن وصل عددها 32 نبضة في الثانية يحس السامع بالتنافر، فتكرهها
الاذن وينزعج منها العقل. الحل كان ابعاد الموجتين عن هذه الحالة بتغيير ترددهما
بحيث تكون نسبتهما الرياضية أقرب الى الأعداد الصحيحة قدر الإمكان، فظهر السلم
المعدل الذي استعمله باخ (ولا نعرف بالضبط كيف عدله، إذ لا نعرف النسب الصوتية)
وجان فيليب رامو. لكن هذا لم يكن كافياً، فظهر السلم المتساوي الذي حل المشكلة بشكل كامل
لكن على حساب بعض المزايا الجمالية التي تمتعت بها السلالم الطبيعية في السابق. فالحل
هو نوع من المساومة الصوتية الفيزياوية على حساب النسب الطبيعة، مساومة فيزياوية -
جمالية.
لكن العرب
والأتراك وباقي الشرقيين لا يستعملون التعددية اللحنية أو التآلف الصوتي لأن طبيعة
موسيقاهم التقليدية مونوفونية. والتألف الصوتي عندنا افقي وليس عمودي، أي أن المراكز النغمية تأتي تباعاً عبر التحويل أو النقلة Modulation (في المقام مثلاً)، وليست متزامنة في نفس الوقت بهيئة كورد حتى تتنافر فيما بينها. لذلك ما هي الحاجة إلى تعديل السلم الى أبعاد متساوية
مثل الأبعاد الأوربية؟ ما دامت الموسيقى العربية والشرقية عموماً مونوفونية، لا
حاجة لتعديل السلم. أما استعمال السلم الغربي فهو ممكن لكن في حدود المقامات التي
تتشابه درجاتها مع السلالم الأوروبية القياسية، لكنها لا تصلح للمقامات التي تحوي
أبعادا غير قياسية مثل الصبا والهُزّام والحجاز والسيكاه، ناهيك عن محاولة استنباط
كوردات أو تعددية لحنية لهذه المقامات.
بالطبع
قد يثير هذا الكلام بعض الموسيقيين لكني أعتقد أن الموسيقى العراقية والعربية
عموما لم تدرس بشكل علمي وعميق لحد الآن، بل استمرت في التقليد وتكرار ما قيل في
السابق. اسوق مثالاً واحداً بالحديث عن المقام العراقي، إذ لم أعثر على تعريف واضح
لهذه الظاهرة الموسيقية الفريدة، بل عادة ما يجري الحديث عن أمور جانبية ليست
أساسية مثل تعداد أسماء المقامات وأصولها الجغرافية ومن الذي ابتكر المقام
الفلاني، والقطع الموجودة فيه ونوع الشعر المستعمل في هذا المقام أو ذاك هل هو
فصيح أم عامي وما هو إيقاعه. لكن ماهو المقام العراقي؟ لا أحد يجيب على هذا السؤال
بتعريف واضح يتألف من جملة واحدة أو جملتين. في الحقيقة هناك تعريف واحد قصير
أعتبره الأشمل هو ما وضعه الراحل شعّوبي إبراهيم إذ يقول في كتابه "دليل
الأنغام لطلاب المقام" ما يلي: هو مؤلفة غنائية له قواعد محدودة لانتقال
المغني من نغم الى آخر ويكون للإرتجال الغنائي نصيب فيه (تمهيد، ص 7). وشعوبي هو أحد
الذين أنقذوا المقام العراقي من الضياع بعد إسقاط الجنسية عن يهود العراق الذين
برعوا في المقام. هذا التعريف يعزز رأيي القائل أن المقام العراقي هو شكل موسيقي
غنائي (مثل الأوبرا)، يؤلفه قاريء مقام متمكن ويقوم من يأتي بعده بتقليده، فالأمر
يشبه تماماً تأليف جورج بيزيه أوبرا كارمن الشهيرة التي تقدم اليوم بقراءات متعددة
حسب فهم وإمكانيات قائد الاوكسترا ومخرج العمل، مع فارق هو حرية الارتجال في
المقام. مثلاً مقام اللامي الذي نسب الى المرحوم القبانجي هو عمل موسيقي من تأليفه
لحن فيه نصاً معيناً استناداً إلى تجاربه وخبرته في التراث الذي وصله من المقام
العراقي، وهو ما يعرف باللغات الأوروبية (Repertoire).
استعمال
البيانو غير منتشر لأنه الأداة الموسيقية التي تتجلى فيها عملية تعديل السلم
الموسيقي الأوروبي بأبهى صورها، حصل التعديل في الحقيقة بسبب البيانو وقبله
الهاربسيكورد أو الكلافسان أو بشكل عام ما يسمى بأدوات المفاتيح ومنها الأورغن في
الكنائس. لأن أوتار أو أنابيب هذه الأدوات تنصب أو توزن ولا يمكن تغيير هذا الوزن
أثناء تقديم العمل الموسيقي، بينما يمكن التحكم في تردد الأنغام عند العزف على
الكمان مثلاً، إذ لا توجد على زنده عتبات تمنع القيام بذلك فيجري تجاوز التنافر
بسهولة في الرباعي الوتري مثلاً.
يمكن
وزن نغمة لا الوسطى على تردد 415 هرتس (ذبذبة في الثانية) لتقديم موسيقى الباروك أو
440 هرتس لتقديم الموسيقى الرومانتيكية أو أي تردد آخر، ووزن المفاتيح الباقية حسب
تعليمات نظام الوزن المتساوي أو حسب نظام الوزن المعدل الذي ابتكره جان فيليب رامو
لتجاوز التنافر بين النغمات. هذا البيانو غير قادر على إصدار أصوات تناسب نغمات
مقام الرست، لأن الأبعاد الموسيقية بين مفاتيح البيانو لا تعطي الأبعاد الموسيقية
المستعملة في هذا المقام. لذلك تم ابتكار أجهزة ألكترونية تعطي ترددات مقاربة
لترددات درجات المقامات العربية، لكن ما الفائدة من كل هذا الجهد إذا كانت الحاجة
الى إصدار لحن واحد وليس عدة ألحان في آن واحد؟ زد على ذلك صعوبة استعمال هذا
الجهاز المعقد لتقديم كوردات (أي مجموعة نوطات تؤدى في نفس الوقت) هذه الكوردات
ستكون متنافرة في حالة الأبعاد الموسيقية غير القياسية مثلما كانت الأدوات
الأوروبية تعاني من هذه المشكلة قبل تعديل أنظمة الوزن في القرنين السادس عشر والسابع
عشر.
من
أكثر التيارات الفنية المعاصرة نجاحاً هو التيار المسمى "Fusion" أي المزج
والتوليف بين أدوات موسيقية مميزة لثقافات موسيقية مختلفة والتوليف بين هذه النظم
الموسيقية المختلفة. كأن يجري استعمال العود والغيتار الاسباني، وكلنا يتذكر
مقطوعة الشلالات التي قدمها الفنان الكبير جميل بشير على العود مع فرقة موسيقية
تقليدية من أمريكا اللاتينية تستعمل الغيتار والهارب. نفس النهج يسير عليه اليوم
ابن أخيه عمر بشير، ابن عازف
العود والموسيقي اللامع منير بشير، إذ يوائم بين العود والغيتار وقدم حفلات عديدة مع
فرق الفلامنكو الأندلسية المعروفة. التركيز هنا على استعمال القدرات الارتجالية
لدى الثقافات الموسيقية المختلفة واستعمال جمل لحنية تكون العمود الفقري للقطعة
الموسيقية التي يتم تأليفها.
استعمال
الرحابنة أو محمد عبد الوهاب لجمل لحنية من الأعمال الأوروبية الكلاسيكية تجربة
قديمة وناجحة بفضل عبقرية هؤلاء الموسيقيين الكبار وذوقهم الراقي وأضيف الى ذلك
ثقافتهم الموسيقية الواسعة والمتنوعة. كل هذا لا ينطبق على الكثير من المحاولات
الحديثة التي ينقصها الذوق السليم والمعرفة الموسيقية العميقة، ناهيك عن وصول
الذوق الموسيقي العام لدى الشعوب العربية إلى مستوى متدني بفعل تفشي الفن الرخيص
وإشاعة القبح بالترافق مع التراجع الكبير في مسيرة تحديث المجتمعات العربية. فقد
جرى تخريب ذوق الجمهور بشكل مستمر منذ بضعة عقود، خاصة مع ظهور التيارات الدينية
المتطرفة التي تحارب كل من يختلف معها وحتى كل ما هو جميل بدعوى مخالفته مبادئ
الدين، وتتغاضى في نفس الوقت عن الحكمة العميقة في الحديث الشريف القائل إن الله
جميل يحب الجمال الذي يساعد برأيي على تأسيس مجتمع متزن متسامح.
بالمقابل
هناك جيل جديد من الموسيقيين الشباب الذين تلقوا تعليماً أكاديمياً عالياً، وبعضهم
يتكلم اللغتين الشرقية والغربية بطلاقة. هؤلاء أعادوا لنا الطرب الشرقي القديم،
لكن بتقنيات فنية عالية وبدم جديد بالاستفادة من خبرتهم في الموسيقى الغربية، مثال
واحد على هؤلاء الشباب عازف الكمان المبدع ليث صديق الذي تخرج بتفوق من أحد أهم
المعاهد الموسيقية الأمريكية وأشهرها.
أحد أهم أسباب تطور الموسيقى (العلوم والفنون على العموم) في أوروبا هو التدوين واتباع منهج علمي ونقدي في البحث. فالتدوين الموسيقى لم يتغير منذ قرون طويلة إلا بشكل بسيط، هذا يعني أنه قادر على تدوين كل ما يخطر في بال الموسيقيين. الموسيقى مثل اللغة، لا تنضب رغم وجود عدد قليل من الحروف، وستجد على الدوام مواضيعها الجديدة التي ستعالجها بنفس الحروف ونفس نظام التدوين لكن بشكل جديد يناسب التطور الذي يعيشه المجتمع ويلبي حاجاته التي تتغير على الدوام. وليس هناك جديد إذا قلنا بالحاجة الى دراسة وتحليل الموسيقى العربية على أسس علمية صحيحة وبناء نظرية علمية متماسكة تعبر عنها. لكن كيف لنا تحقيق ذلك في الحالة الراهنة لكل الدول العربية؟ ازدهار الفنون لا يحدث دون الاستقرار الاجتماعي ووجود نظام تعليمي فاعل ونمو وتراكم في الثروات الفكرية والمادية، ونحن بعيدون عن كل هذا. المواطن في الدول العربية لا يأمن حياته في الكثير من الأحيان، والغالبية الساحقة تعيش في فقر حقيقي – مادي وروحي، ويتعاظم تفشي الجهل والأمية والخرافة أكثر من أي وقت مضى منذ براعم التحديث في بداية القرن العشرين، فعن أي ازدهار للفنون نتحدث؟
أما الجانب التقني في الموسيقى فتطوره عامل مساعد سيكشف لنا أبعاد جديدة في الصوت، ويسير الآن في اتجاه التعامل مع التفاصيل الدقيقة للموسيقى والصوت، وهو أمر لم يكن متاحاً في التسجيلات القديمة التي تقدم الأعمال الموسيقية بشكل كتلة واحدة تفتقد الكثير من التفاصيل. كيف سينعكس هذا على الموسيقى الشرقية؟ عدا استغلال الإمكانيات المتاحة في هذه الطفرة التقنية من قبل عدد ضئيل من الفنانين مرهفي الحس، نرى الكم الأكبر لا يود التغيير أو لا يعرف كيف يتم ذلك في أحسن الأحوال، ربما هو انعكاس للحالة العامة في تدهور الذوق والمستوى الفني. إذ بدون وسط متلقي قادر على تذوق الفنون وتمييز الجيد عن الرديء، يصعب الحديث عن تطور في الفنون الموسيقية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق