الثلاثاء، 13 أكتوبر 2020

 

ثائر صالح: نظرية الموسيقى البابلية 2

(نشرت في صحيفة المدى البغدادية عدد 11 تشرين الأول 2020)


بابل - رسم أكواريل رسمه المنقب الألماني فالتر آندريه سنة 1902 أثناء التقيبات التي قامت بها البعثة الألمانية الشهيرة

نعود اليوم لنكمل ما بدأناه عن كتاب البروفيسور دمبريل في الموسيقى البابلية الأسبوع الماضي، لكن بشيء من التفصيل. ذكرت اللوح البابلي المكتوب في 800 ق.م. وقلت إنه يذكر أوتار القيثارة التسعة. اسم اللوح في المصادر هو U.3011 أو نابنيتو 32، وهو جزء من مجموعة ألواح تشكل معجماً سومرياً – أكدياً، وهو اللوح الثاني والثلاثين من هذه المجموعة التي تتناول مختلف العلوم. اللوح عثر عليه وولي كما ورد، وقد أعيد للمتحف العراقي في سبعينات المتحف العراقي (ولا تعرف حالته اليوم).

الأوتار التسعة باللغة الأكدية هي: قُدمو[اوم] أي الأول (ومنها جاءت كلمة القديم)، شاموشوم أي المجاور أو الجار، شالشو قا[تنو] أي الثالث النحيف، أيا بانو أي الاله أيا الخالق وهو الوتر الرابع (أيا هو إله المياه العذبة)، خامشو أي الوتر الخامس، يليه ريبي اوخريـ [ـم] أي الرابع من الآخر، ثم شالشي أوخريم أي الثالث من الأخير، بعده شني اوخريم أي الثاني من الأخير، ختاما يأتي أوخروم، أي الأخير.

نستدل من أسماء الأوتار أن النظام البابلي يختلف عن النظام المستعمل حالياً. السلم الموسيقي يبدأ الآن بالنغمة الأساسية (الأساس، بيت المقام، القرار) ثم تتوالى النغمات / الدرجات صاعدة الثانية والثالثة (الوسطى) والرابعة ثم الخامسة (المسيطرة) فالسادسة والسابعة حتى الأوكتاف (الجواب). هذا هو السلم سباعي النغمات (السلم الهبتاتوني). أما السلم البابلي فيفترض وقوع النغمة الأساسية في الوسط، تحيط بها أربع نغمات من الجهتين صعوداً إلى خامسة ونزولاً إلى خامسة، أي أن السلم يتألف من تسع نغمات. وهو ما كان معروفاً عند الإغريق كذلك كما يقول دمبريل، فقد استعملوا قيثارة بتسعة أوتار التي لربما أخذ
وها من المثال السومري.

يعتقد دمبريل أن الأنظمة الموسيقية في الشرق القديم وبضمنه بلاد الإغريق استعملت هذا السلم حتى فترات متأخرة، ولا تزال أصداؤه ترن في النظام الموسيقي العربي، فيقارن اعتبار الوتر الثاني مجاوراً للوتر الأول، مع استعمال الموسيقى الشرقية درجة "مُجنّب" التي تعني لغةً إلى جانب، أو مجاور، وهذا نفس مفهوم شاموشوم الأكدي. والمجنب عدة أنواع مما يدل على اختلاف قيمتها وصغر بعدها. وقد شاع استعمال مصطلح المجنب لدى المنظرين الشرقيين منذ الفارابي على الأقل، وهو ما يدل على وجود تواصل تاريخي مع النظام الموسيقي البابلي.


تمكن دمبريل من تحديد قيمة هذه النغمات التسعة استنادا الى التقنية المعروفة في تقسيم طول الوتر (تنصيفه) واستنباط ما يعرف بالسلسلة الهارمونية التي تطلقها النغمة المنفردة، وهي سلسلة من النغمات أو الأصوات التي تتولد طبيعياً عند إصدار الصوت أو النغمة، وهذه تستند إلى القوانين الفيزياوية للصوت.

أحد الاستنتاجات المهمة التي خلص إليها دمبريل أن وجود علم الموسيقى ضمن أرقى وأهم معجم سومري – أكدي مع العلوم الأساسية الأخرى يدل على أهمية العلوم الموسيقية لدى البابليين وعلو شأنها. الاستنتاج الثاني هو أن تطور النظام الموسيقي السومري البابلي جاء في موازاة تطور اللغة وبالتزامن معها.


عازف هارب من مدينة أشنونا - متحف اللوفر، باريس

المدى الثقافية عدد 11 تشرين الأول 2020

بحث هذه المدونة الإلكترونية

صدر مؤخراً

بارتوك وتجميع الموسيقى الشعبية

الجذور كان الموسيقي المجري البارز بيلا بارتوك (1881 - 1945) من بين أوائل الباحثين الذين وضعوا أسس علم الموسيقى الشعبية (Ethnomusicology)، وك...