الجمعة، 9 ديسمبر 2022

أغاني اليهود البابليين الدينية

 اليهودية والإسلام - إله واحد موسيقى واحدة




 

صدر سنة 2019 عن دار بريل المتخصصة بنشر الكتب الأكاديمية  كتاب ثمين عنوانه: "اليهودية والإسلام - إله واحد موسيقى واحدة" من تأليف الباحثة الموسيقية د. ميراف روزنفلد - حداد. وهي من أبناء الجيل الأول المولود في إسرائيل لأبوين عراقيين هما بلانش سوميخ (1935 - 2019) وموريس حداد (1932 - 2017). 

الفكرة الأساسية للكتاب هي أن يهود بابل [وتعني اليهود العراقيين] كانوا يستعملون نفس الوسائط الموسيقية التي يستعملها محيطهم الرافديني في أداء التراتيل الخاصة بمناسباتهم الدينية والاجتماعية على الدوام. يتعلق هذا بالنظام الموسيقي (الأنغام والمقامات والإيقاعات العراقية) والأدوات الموسيقية إن كانت هناك موسيقى تصاحب التراتيل. تعرّف الباحثة هذا النوع من الغناء الديني بمصطلح "اغنية شبه طقسية" (Paraliturgical Song) لتمييزها عن التراتيل الطقسية الدينية التي تنظمها تعاليم غاية في التشدد (هالاخاه)، وهو أمر لا ينطبق على هذه التراتيل والأغاني التي تغنى في مناسبات معينة مثل وجبات طعام أيام السبت أو الأعراس أو الختان أو البلوغ ونحو ذلك، مواضيعها المدائح والتسبيح للرب ومواضيع عامة مثل القيم والأخلاق والتمسك بالشريعة الموسوية الخ. 

بحثت روزنفلد - حداد في أصل النصوص العبرية الشعرية المتوارثة وصنفتها حسب التسلسل التاريخي استناداً إلى مجموعتين من كتب التسابيح (سفر ها-شيريم) الأولى صدرت في بغداد سنة 1906، والثانية في القدس سنة 1954 هي نسخة موسعة من الأولى أضيف إليها ما كتب منذ 1906، وكان وجود هذين الكتابين في مكتبة جدها الحاخام يتسحاق مئير رفائيل الحداد (بغداد 1896 - تل أبيب 1968) ما دفعها للخوض في هذا الموضوع.

أحصت الباحثة 247 نصاً شعرياً تغطي قرابة ألف عام، منذ العصر العباسي حتى العصر الحالي ألفها 53 شاعر. وأبرزت بضعة شعراء أقدمهم دوناش ها-ليفي بن لابرات (فاس 918 - قرطبة 970)، والأندلسي الاسباني شلومو بن غابيرول (مالاغا 1020 - بالنسيا 1057)، وتوقفت عند شاعرين مهمين هما اسرائيل بن موشيه نجارا (صفد 1555 - غزّة 1625) الذي ألف واحد وثمانين نشيداً، والحاخام يوسف حاييم بن إيليا  (1835 - 1919) الحاخام البغدادي الذي ألف خمسين نصاً، بالإضافة إلى سبعة وعشرين من شعراء بغداد من القرنين 18 - 19 ألفوا واحدا وستين نشيداً. إذاً حفظت هذه الكتب الأشعار التي تبعت قواعد الشعر العربي من وزن وقافية إلى الأجيال اللاحقة، لكن لا توجد في الكتابين أية إشارة إلى اللحن والموسيقى، فهذه تناقلتها الأجيال شفاهاً، بقليل أو كثير من التحوير كما هو معروف في عملية نقل شفاهي مثل هذه. 

يبدو من الأمثلة المسموعة اليوم أن هذه الأغاني والتراتيل تماثل تماماً ما هو معروف في بغداد والموصل وحلب، وتتشابه لغتها الموسيقية إلى حد كبير مع التراتيل الدينية في الكنيسة المسيحية الرافدينية باللغة الآرامية، وهي تراتيل قد يعود تأريخ تأليفها إلى أكثر من ألف عام، وربما يعود بعضها إلى القرون الأولى بعد الميلاد.

يقوم الشاعر بكتابة نص عبري يحل محل النص العربي لاغنية شهيرة أو موشح شائع في ذلك الوقت. لهذا أعتبر هذه المجموعة مهمة إذا ما أردنا عكس العملية للبحث في الأغاني العربية الأصلية التي كانت شائعة قبل قرون. وحتى أوضح ذلك ألجأ إلى المثل الذي استعملته المؤلفة عن قيام السوري حاييم شاؤول عبود (حلب 1890 - القدس 1977) بكتابة نص يناسب اغنية محمد عبد الوهاب (1902 - 1991) الشهيرة "امتى الزمان يسمح يا جميل" 1930 في مقام كرد. وسمعت في واحد من التسجيلات المنشد يشيئيل نهاري (من أصول يمنية وسورية) وهو ينشد بلحن أغنية أم كلثوم أنت عمري 1964، وهي من تلحين محمد عبد الوهاب في مقام كرد. وكان جمهور المصلين في كنيس موجود في نيويورك (منهاتن) يردد وراءه مقاطع هذه الأغنية التي حصلت على شعبية هائلة بينهم بقدر ما حصلت عليه في الشارع العربي. لذلك أعتبر الطبقات الأقدم من هذه الأناشيد مرآة تعكس حال الأغاني العربية الشهيرة في القرون الماضية، تماماً مثلما حصل مع اغنيتي عبد الوهاب في القرن العشرين.

نعود إلى كتابي التسابيح اللذان شكلا منطلق كتاب الباحثة عراقية الأصل ميراف روزنفلد - حداد، بالعبرية سفر ها - شيريم (كتاب الأغاني أو التراتيل). أعد طبعة 1906 الربي عزرا رؤبين دنـگـور (1848 - 1930)، وهو من الشخصيات اليهودية البغدادية المهمة، ولد في بغداد ودرس عند الربي عبدالله سوميخ. أسس مطبعة في بغداد سنة 1904 طبع فيها هذا الكتاب وكتب عربية وعبرية أخرى. أما ناشر طبعة 1954 فهو صالح بن يعقوب منصور (1895 بغداد - 1987 القدس) الذي هاجر إلى فلسطين في 1927 وأصبح ناشراً ناجحاً هناك.

الأنغام المستعملة لأداء التراتيل المدونة في المجموعتين هي نفس المقامات العربية عموما، والكثير من المقامات العراقية المعروفة (مع بعض الاختلاف الطفيف بين نسختي 1906 و 1954): نوى، رست، صبا، أوج ومخالف، زنجران، بهيرزاوي، خنبات الخ. وهذه هي اللغة الموسيقية العراقية الخالصة ذاتها.

وإذا أخذنا في عين الاعتبار الدور الرائد للموسيقيين اليهود في العراق حتى التهجير والهجرة الجماعية منتصف القرن العشرين، بالخصوص دور الأخوين صالح الكويتي (الكويت 1908 - رامات گـان 1986) وداود الكويتي (الكويت 1910 - رامات گـان 1976)، ومدير قسم الموسيقى رئيس الفرقة الموسيقية في اذاعة بغداد عازف القانون يوسف زعرور (بغداد 1902 - رامات گـان 1969) وعشرات غيرهم، لا نستبعد أن تكون ألحان بعض التراتيل المذكورة في المجموعتين قد ألفها موسيقيون يهود. على العموم تستنتج الباحثة روزنفلد - حداد أن معظم هذه الألحان إن لم يكن جميعها أغاني عربية في الأصل. الجوهر في الأمر التقاليد الموسيقية المشتركة بالنسبة للجميع، من مسلمين ويهود ومسيحيين، جميعهم يستعملون هذه الموسيقى بشكل طبيعي لأنها جزءاً منهم وهم جزء من هذه الثقافة الموسيقية المشتركة. 

ما الذي حدث في إسرائيل بعد الهجرة أوائل خمسينات القرن العشرين هو محاولة طمس هذا التراث الثمين لاعتبارات سياسية تتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي، بسبب ارتباطه بالعرب عموماً. لكن هذا الأمر تغير منذ الثمانينات، فقد تعاظم الاهتمام بهذه التقاليد وأخذ تقديم التراتيل يتزايد وتعدى الجانب الروحاني الديني إلى الجانب الدنيوي. ولا ينطبق الأمر على حملة هذا التراث المتحدرين من اصول عراقية أو سورية أو يمينة أو شرقية (سفاردية) فحسب، بل انتشر بين ذوي الأصول الأشكنازية كذلك. 

ونجد اليوم عدداً كبيراً من المرتلين الدينيين والفنانين الذين يقدمون الأعمال الدينية والدنيوية بروح المقام العراقي. نبرز منهم المرتّل (بالعبرية حازان) موشيه حبوشا (1961)، حفيد المرتّل بغدادي الولادة الحاخام گـرجي يائير (بغداد 1910 - اسرائيل 1999) الذي علمه أصول الغناء، ثم تأثر بالغناء الحلبي والمصري. درس حبوشا كذلك على يد شلومو رؤبين معلم (بغداد 1905 - اسرائيل 1989). وحبوشا هو أحد أهم حفظة التراث اليهودي البغدادي، رغم خدمته في كنيس لليهود السوريين في نيويورك منذ عقود. نبرز كذلك حسقيل تسيون مرتّل بيث توراة بروكلين في نيويورك، وهو من اصول عراقية (لقبه الأصلي سونا، أمه من عائلة شهرباني). أما الجانب الدنيوي فخير من يمثله اليوم الموسيقي متعدد الاهتمامات عازف الكمان يائير دلال، إلى جانب عازف القانون دافيد رجف زعرور وفرقته "لا فلفوله" التي تقدم المقام العراقي والبستات البغدادية بالطريقة التقليدية، وهو ابن حفيد يوسف زعرور الكبير. ولابد من ذكر داوود تاسا حفيد داود الكويتي من جهة امه، وفرقته المسماة "الكويتيون"، وهو مغني بوب شهير في إسرائيل يقدم ما أبدعه الاخوان صالح وداود لكن بأسلوب البوب الحديث أو الجاز.


الأحد، 23 أكتوبر 2022

موسيقى الملوك


 بريطانيا

يعود موضوع الملوك والأمراء الموسيقيين إلى الواجهة بمناسبة وفاة الملكة إليزابث الثانية مؤخراً. فقد كتب الكثير عن التربية الموسيقية الرفيعة التي يحصل عليها أفراد العائلة المالكة البريطانية ومن هم في فلكها من أعمدة الملكية. فهناك أفلام نادرة تظهر قدرة الأميرة ديانا الفذة في العزف على البيانو، ونعرف عن تلقي الملكة الراحلة أليزابث الثانية تعليماً في العزف على البيانو، والملك الجديد تشارلز الثالث على الترومبيت والبيانو عندما كان يدرس في كامبريج، وعزفه على التشيلو في اوركسترا كلية الثالوث المقدس في اوكسفورد. هذا التعليم المتنوع لا يستهدف تحويل ابناء العوائل المالكة إلى فنانين وموسيقيين بقدر ما هو جزء من تعليم شامل ووافي في كل نواحي الحياة في مختلف الفنون والعلوم الإنسانية والطبيعية لتهيئتهم للحكم بالطبع.

العلاقة بين الملوك والموسيقى قديمة، وهناك ملوك وأمراء لم يكتفوا بتذوق الموسيقى وتعلم العزف، بل ألفوا أعمالا موسيقية، منهم الملك هنري الثامن (1491 - 1547) الذي اهتم بالموسيقى وتعلمها، وكان يجيد العزف على الكثير من الأدوات المستعملة في عصر النهضة، ويحب الغناء. ألف بعض الأعمال الموسيقية الغنائية والآلية، منها قداسين لخمسة أصوات (فُقد العملان)، وهناك 33 أغنية من تأليفه ضمن مخطوطة كتاب الأغاني الخاص به وهو يضم 109 أغاني. كما نجد بضعة أغاني من تأليفه في كتاب الأغاني الذي جمعته زوجته الثانية آن بولاين، سوية مع مختارات من أعمال جوسكان دو بريه وجان موتون وأنتوان بروميل، وأعمال الأخرى يُجهل مؤلفها. لذلك يميل بعض الباحثين إلى أن تكون بولاين قد ألفت بعضاً منها، مثلما تنسب إليها اغنية "أيها الموت تعال وهدهدني حتى أنام" التي قيل أنها ألفتها في انتظار ساعة إعدامها بتهمة الخيانة.


ونعرف عن الملك جورج الأول (1660 - 1727) مؤسس عائلة هانوفر البريطانية المالكة التي انتهى حكمها بموت الملكة فكتوريا سنة 1901 حبه للموسيقى ودعمه لها. كان جورج أميراً على هانوفر وخدم عنده جورج فريديريك هندل، لكنه تركه وذهب إلى إنكلترا سنة 1712 بعد بعض المشاحنات بينه وبين الأمير. غير أن تنصيب جورج ملكاً على بريطانيا سنة 1714 أفضى إلى التقاء الرجلين مرة ثانية وتصالحهما في لندن. لم يمر وقت طويل حتى ألّف هندل درّته الشهيرة موسيقى المياه التي أعجب بها الملك أيما إعجاب، فأمر بإعادة تقديمها عدة مرات وهو في نزهته بالسفينة في نهر التيمس مساء وليل 17 تموز 1717 لتصبح واحدة من أعمال هندل المحبوبة.

استقبل ملوك بريطانيا من عائلة هانوفر الكثير من الموسيقيين الألمان (والنمساويين) مثل هندل وهايدن وكذلك مندلسون الذي كان يقضي فترات طويلة في ضيافتهم. هناك ألف الكثير من الأعمال المعروفة مثل افتتاحية كهف فنغال الشهيرة.

أما فيكتوريا التي كانت تعزف على الأورغن وزوجها الأمير ألبرت، فقد تخلد اسميهما بالارتباط مع قاعة ألبرت الملكية في جنوب كنزنغتون التي افتتحتها الملكة فيكتوريا سنة 1867 تخليداً لذكرى زوجها. تعد هذه القاعة أحد رموز الموسيقى في لندن، المكان الذي يقام فيه المهرجان اللندني الصيفي الشهير، برومز.


ألمانيا


كان فريدريك (الكبير) ملك بروسيا (1712 - 1786) من أشهر الملوك الذين برعوا في التأليف الموسيقي. فهو عازف جيد على الفلوت ولديه الكثير من الأعمال الموسيقية، تحديداً 121 سوناتا للفلوت وأربع كونشرتات للفلوت، ثلاثة سمفونيات وثلاثة مارشات. كانت فرقته الموسيقية من بين أفضل فرق أوروبا، بلغ عدد أفرادها 50 موسيقياً بارعاً في خمسينات القرن الثامن عشر. عمل عنده أفضل الموسيقيين وقتها مثل كارل فيليب إيمانويل باخ والأخوين غراون، واستقدم من بلاط دريسدن أعظم عازف فلوت في وقته، يوهان يواخيم كفانتس ليعلّمه الفلوت، ودفع له 2000 تالر سنوياً بعد أن كان كفانتس يحصل على 250 تالر في دريسدن. 


فريدريك الثاني ملك بروسيا

وكانت الأميرة أنّا آماليا لا تقل اهتماماً بالموسيقى عن أخيها الملك فريدريك الكبير. تعلمت العزف على الفلوت والكمان والهاربسيكورد، ألفت عدداً من الأعمال لكنها أتلفت الكثير منها. وعثر على عدد من أعمالها ضمن مجلدات مكتبة "أكاديمية الغناء" البرلينية التي اكتشفت في مكتبة في كييف العاصمة الأوكرانية سنة 1999 بعد سرقتها من برلين في 1945. إذ يعود للأميرة الفضل في حفظ الكثير من أعمال باخ الكبير وغيره من الضياع بتجميع أعمالهم في مكتبتها الضخمة التي تبلغ 2000 مجلداً، منها 600 مجلد لأعمال باخ وهندل وتلمان وباخ الابن كارل فيليب، وهي جزء مهم من مكتبة الدولة الألمانية في برلين اليوم. 

يبرز كذلك الأمير لويس فرديناند البروسي من نفس العائلة، فهو أبن أخ فريدريك الكبير، رعته عمته أنّا آماليا. وكان عازف بيانو قال عنه بيتهوفن "إن عزفه ليس كعزف الملوك والأمراء، بل مثل أمهر عازفي البيانو". كان فرديناند ضابطاً في الجيش البروسي، وقد قُتل في معركة زالفيلد مع جيش نابليون سنة 1806، عاش 34 سنة، لكنه ترك لنا 13 قطعة موسيقية للبيانو للحجرة وكذلك للأوركسترا، منها روندو جميل للبيانو والأوركسترا

الأمير الآخر الذي يستحق أن نذكره في هذا المقام هو يوهان أرنست أمير فايمار الذي توفي قبل أن يبلغ التاسعة عشرة (1696 - 1715). كان هذا العمر كافياً لتأليف 19 كونشرتو وسوناتا واحدة لأداة الترومبيت، أعاد الموسيقار يوهان سيباستيان باخ توزيع بعض هذه الأعمال للهاربسيكورد. وللتذكير، عمل باخ في فايمار من 1708 كعازف أورغن في كنيسة البلاط وعازف كمان في جوقته، ثم قائداً للجوقة بين 1714 -1717. أمضى الأمير يوهان أرنست سنتين في هولندا لدراسة الموسيقى، وهناك تعلم الكثير من التقنيات التي لم تكن معروفة في ألمانيا وقتها، ومنه تلقفها باخ. كما كانت للأمير علاقة بعبقري آخر غير باخ، هو جورج فيليب تلمان (وكان في هامبورغ)، وقد أهدى تلمان مجموعته من سوناتات الكمان المطبوعة سنة 1712 إلى الأمير، وهو من قام بنشر كونشرتات الأمير بعد موته. تكمن أهمية يوهان أرنست في توطين شكل الكونشرتو الإيطالي في ألمانيا عبر تأثيره على أعظم موسيقارين في الولايات الألمانية وقتها، باخ وتلمان.



إيبيريا


يعتبر الملك آلفونس العاشر ملك قشتالة (1221 - 1284) الملقب بالحكيم من أهم وربما أقدم الملوك الذين نعرف عن صلتهم الوثقى بالموسيقى. عرف الفونس العاشر بعظمة بلاطه وقد شجع الترجمة من العربية إلى اللاتينية، بذلك كان واسطة لنقل العلوم والفنون الأندلسية إلى أوروبا. كان ملك قشتالة يبرع في الكثير من العلوم والفنون، فبرع في علم الفلك والتاريخ والحقوق إلى جانب جمعه أناشيد القديسة ماريا، وهي مجموعة شعرية وموسيقية هامة من العصور الوسطى كتبت باللغة القشتالية.

توجد اليوم أربع مخطوطات من الأناشيد، واحدة في مكتبات توليدو وواحدة في المكتبة الوطنية في فلورنسا واثنتان في مكتبة الأسكوريال، قسم من النسخ مزدانة برسوم باذخة وأخرى أقل تزيينا. تحوي النسخ ما مجموعه 420 نشيداً، فهي ليست متطابقة تماماً، وهناك الكثير من الرسوم الدقيقة باذخة التفاصيل في بعض النسخ. جرى تنويط الأناشيد لكن لا تزال أمام الباحثين طريق طويلة لفك رموزها بشكل مقبول، إذ توجد صعوبات في تحديد الأشكال الموسيقية والإيقاع وقيمة الأنغام (الدرجة) بشكل أفضل رغم التقدم الكبير الحاصل في العقود الأخيرة. تكمن أهمية هذه المخطوطة في كونها حلقة الوصل بين الموسيقى الأندلسية والموسيقى في أوربا القرون الوسطى، بسبب النشاط الكبير الذي بذله الفونس العاشر في نقل الفنون والآداب والعلوم الأندلسية إلى اللاتينية. 

عرف ملك البرتغال جواو (يوحنا) الرابع (1604 - 1656) بتحقيقه استقلال البرتغال عن الحكم الإسباني، ليحكم البلاد في مملكة قائمة بذاتها استعمرت أصقاع شاسعة من العالم، من أمريكا اللاتينية مروراً بأفريقيا حتى آسيا. فقد خضعت البرتغال قبله لسلطة العرش الإسباني الذي تربع عليه فرع من عائلة هابسبورغ حكام النمسا. عُرف كذلك باهتماماته الموسيقية الجادة، وحتى في النقد الموسيقي. يشهد على ذلك الاهتمام سعيه للدفاع عن موسيقى بالسترينا (1525 - 1594) ضد هجوم أحد الأساقفة عليه، لخص هذا الدفاع في رسالة نشرها سنة 1649 تتضمن الكثير مما يعتبر اليوم ضمن النقد الموسيقي.

للأسف لم تصلنا أية أعمال كاملة للملك جواو الرابع، سوى جزأين من ستة أجزاء من عملين له في شكل الموتيت في ستة أصوات. يعني هذا الكلام أن الموتيت كتب لستة خطوط لحنية (ستة أصوات غنائية)، لذلك يجري طبع كل خط لحني (صوت) لوحده على انفراد حتى يستعمله المغني الذي يؤدي هذا الخط اللحني. فلم يبق لنا من المدونات الستة سوى اثنتين. أما الموتيت فهو شكل غنائي ديني لبضعة أصوات، على الأغلب دون مصاحبة الأدوات الموسيقية (وفي عصر الباروك قليلاً ما صاحبته أدوات الباص المستمر مثل التشيلو أو الهاربسيكورد).

أمتلك الملك جواو الرابع مكتبة موسيقية ضخمة لم تبزها سوى مكتبة الفاتيكان. لكن هذا الكنز تدمر في حريق شب عقب زلزال أصاب لشبونة في سنة 1755. لم يتبقى لنا سوى الجزء الأول من فهرس المكتبة وقد ضم مئات العناوين. 


العثمانيون


اهتم عدد من السلاطين العثمانيين بالفنون والموسيقى، منهم السلطان مراد الرابع (1612 - 1640)، وبقي لنا عمله بشرف على مقام عزال (حجاز + عشاق). عرف بقسوته الشديدة وبحروبه مع الدولة الصفوية التي احتلت بغداد لخمسة عشر عاما واسترجاعها منهم. 

لكن أشهر السلاطين من جانب حبه للفنون والآداب والخط والموسيقى على الإطلاق هو السلطان سليم الثالث (1761 - 1808) الذي اشتهر كذلك بمحاولة تحديث الإمبراطورية عبر إصلاح الجهاز العسكري وتقليص دور الانكشارية واستحداث ما عرف بالنظام الجديد، وهو جيش مشاة مدرب ومجهز وفق أحدث معايير ذلك العصر. لكنه عزل عن الخلافة بسبب معارضة الجيش النظامي القديم والانكشارية وتآمرهم عليه وعلى إصلاحاته وتنصيب مصطفى الرابع سنة 1807 وسجن في السراي لحين قتله بأمر من مصطفى. كان سليم الثالث يتقن العربية والفارسية (لغة الشعر في السراي العثماني) إلى جانب التركية والبلغارية القديمة.

افتتن سليم بالموسيقى وكان عازفاً على الناي والطنبور ومؤلفاً كتب 64 عملاً لا يزال البعض منها يقدم حتى اليوم كجزء من التراث الموسيقي العثماني الكلاسيكي. كان سليم كذلك من أتباع الطريقة الصوفية المولوية المعروفة باستعمال الموسيقى والغناء في مراسيم السماع، لذلك ألّف سليم أعمالا موسيقية مولوية (وأشكالها العين والذكر). رعى كذلك الفنون، ودعم الموسيقار الأرمني همبرسوم في جهده لابتكار نظام تدوين موسيقي ملائم للموسيقى العثمانية استعمل فيه الحروف الأرمنية وعدداً من الرموز. جمع همبرسوم ودوّن أهم الأعمال الموسيقية العثمانية في ستة مجلدات وأهداها لسليم الثالث، كما دعم دده أفندي أحد أعظم الموسيقيين العثمانيين وأهم من كتب الموسيقى المولوية، وكانت موسيقاه تؤدى في قصر السلطان.  

لم يكتف السلطان سليم بدعم الموسيقى العثمانية الكلاسيكية، بل دعم تقديم الموسيقى الأوروبية، فأمر باستقدام فرقة موسيقية وقدمت أول عروض الأوبرا في باحة قصر توبكابي في اسطنبول سنة 1797، ربما بمساعدة السفارة الفرنسية هناك.


السلطان عبد العزيز


السلطان الآخر الذي عرف بحبه للفنون  مثل الخط  والرسم والشعر وعلى الخصوص للموسيقى، وبتأليفه مقطوعات كلاسيكية تركية وأوروبية هو عبد العزيز (1830 - 1876). كان عبد العزيز مهتماً بتحديث البلاد بالخصوص الأسطول العثماني، وبناء نظام تعليمي معاصر وسكك حديدية وصناعة. كان أول سلطان عثماني يزور الكثير من دول أوروبا سنة 1867، وقد استقبلته فكتوريا ملكة بريطانيا بفرقة موسيقية تعزف أحد أعماله، فقد كان مهتماً بالموسيقى العثمانية والأوروبية على حد سواء. من أعماله الجميلة سيرتو حجاز كار، والسيرتو هو رقصة يونانية سريعة أصبحت من القوالب الموسيقية المهمة في الدولة العثمانية. وقد عمل عدد كبير من الموسيقيين اليونانيين والأرمن وغيرهم من القوميات في الاستانة وكان لهم حضوراً كبيراً في غالبية الفنون، وهم الذين طوروا الفنون العثمانية من موسيقى وعمارة. جرى اقتلاع مليون وربع المليون يوناني من أرض أجدادهم سنة 1923 ونقلوا إلى اليونان.

ويذكر هنا أن السلطان محمود الثاني (1785 - 1839) كان أول السلاطين الذين ألفوا موسيقى أوروبية، ولديه 26 عملا موسيقيا.


كتابة في أربع حلقات صدرت في صحيفة المدى البغدادية في شهر تشرين الأول 2022



الاثنين، 3 أكتوبر 2022

النازية والموسيقى المنحطة

 النازية والموسيقى المنحطة







استعملت ماكنة الدعاية النازية التي أدارها غوبلز تعبير الموسيقى المنحطة لوصم الموسيقى والموسيقيين على أسس عرقية وسياسية، وكان ذلك جزءاً من حملة شاملة لمحاربة الفن المنحط عموماً حسب تعبيرهم. كان هدف الدعاية النازية حظر الموسيقى والفنون التي اعتبروها ليست ألمانية أو ليست آرية ومحو أي أثر لها وللمبدعين الذين أنجزوها، وغرس الكراهية ضدها بين الألمان. ويجيء هذا ضمن إطار السياسة النازية التي "تخلق" أعداء تسميهم بالاسم يخيفوا بهم السكان، ثم تدعي بأن السلطة سوف تحميهم من هؤلاء الأعداء المزعومين. وجرى التضييق على من ورد اسمهم في القائمة السوداء ومنعهم من مزاولة نشاطهم وصولاً إلى تصفيتهم أو تهجيرهم أو إجبارهم على الصمت في أحسن الأحوال. ويتكرر هذا السيناريو في الكثير من الدول منذ النازية حتى اليوم بأشكال متعددة. 

يجري في المقابل إعلاء شأن أنماط فنية وفنانين يمثلون السلطة، ونعرف إن الفن الجيد لا يمكن خلقه حسب المقاس مثلما تصنع الجزمة حسب تعبير برتولت بريشت. في الحقيقة لا يستطيع الفن المسيّس تقديم نتاج ذي قيمة وفق شروط الطرف السياسي، سواء كان السلطة أو معارضتها على نفس القدر، ويندرج هذا النتاج ضمن مفهوم الدعاية فحسب. فحرية الإبداع شرط أساسي لخلق فن ذي قيمة، انطلاقاً من قناعات وآراء الفنان السياسية والاجتماعية.

نظّم النازيون معرضاً في دوسلدورف افتتح في 24/5/1938 يعرضون فيه "الموسيقى المنحطة" ضمن أسبوع للاحتفال بالموسيقى القومية الألمانية، جمعوا فيه مواد صوتية ونصوص وصور عن كل ما لا ينتم للموسيقى الألمانية في نظرهم. هاجم المعرض الموسيقيين الذين صنفوا كيهود مثل مندلسون ومالر، وموسيقى الجاز (ووصمت بموسيقى العبيد Nigger) وحتى أشكال موسيقية واسعة الانتشار وشعبية مثل فن الأوبريت، واعتبر الموسيقى اللا تونية (Atonal) هلوسة تسخر من روائع الموسيقى الكلاسيكية وتتجاهل التقاليد المقدسة. نظّم المعرض المدير السابق لمسرح فايمار هانس سيفيروس تسيغلر وهو من غلاة المعجبين بهتلر. نقل المعرض إلى فايمار وميونيخ وفيينا، ولولا اندلاع الحرب الثانية في 1939 لجرى نقله إلى مدن أخرى في الرايخ الثالث. 

يلخّص ملصق المعرض الجوهر العنصري لمنظميه: عازف ساكسوفون (يرمز لموسيقى الجاز) ذو ملامح أفريقية (عنصرية ضد الزنوج) هو أقرب إلى شكل قرد يحمل على صدره نجمة داود (عنصرية ضد اليهود). وركّز النازيون على اسم جوني الذي يمثل ثقافة السود "المنحطة" في حملة واسعة، والرمز الذي استعمله النازيون في حملتهم هذه كان من دون شك أوبرا جاز وضعها الموسيقي التشيكي -  النمساوي الأصل (الأمريكي لاحقاً) أرنست كْرَنَك أو كْجَنَك (1900 - 1991) بعنوان "اعزف يا جوني" شخصيتها المحورية عازف جاز أفرو - أمريكي، زير نساء سرق كماناً ثميناً. حتى الملصق النازي كان تقليداً لغلاف طبعة مدونة الأوبرا التي قدمت هي الأُخرى في 1927.

كان استعمال اسم جوني إشارة في نفس الوقت إلى أغنية شانسون لمارلينه ديتريش المغنية والممثلة الألمانية الشهيرة "جوني، متى عيد ميلادك" وهو شانسون لاقى نجاحاً وشهرة كبيرين في 1927، في محاولة للنيل من هذه المغنية المتمردة على تقاليد ذلك العصر.

الموسيقى المنحطة حسب رؤية النازيين هي الموسيقى التي يؤلفها أو يقدمها غير الآريين، في المقام الأول اليهود، والموسيقى الأجنبية بالخصوص موسيقى الجاز والسوينغ، وكذلك موسيقى الاثنتا عشرة نغمة والموسيقى اللا نغمية (Atonal). لذلك منعوا الموسيقيين اليهود وغيرهم ممن اعتبروا غير آريين من عضوية اتحاد الموسيقيين الألمان، ومنعوا عنهم تصاريح تدريس الموسيقى، ووزعوا قوائم تتضمن العناوين الموسيقية غير المرغوب فيها، وحرضوا في خطاباتهم ومواد الدعاية والمعارض التي أقاموها ضدها. ووصل الأمر منع اليهود من ارتياد المسارح والسينمات وقاعات الموسيقى وغيرها من المؤسسات الثقافية. نجد بين الممنوعين أسماء مهمة، أهمها مندلسون، وطال المنع موسيقيين معاصرين كبار مثل إيغور سترافنسكي وآرنولد شونبرغ وأوتّو كلمبرر وبرونو فالتر وكورت فايل وهانس آيزلر وأريش كورنغولد وبوهوسلاف مارتينو وغيرهم. مطالعة الأسماء تنبئنا بعناوين المنع: اليهودية - اليسار والشيوعية - التيارات الموسيقية الطليعية.


آيزلر أمام لجنة مكارثي قس الولايات المتحدة

وضع الحزب القومي الاشتراكي الألماني (النازي) سنة 1940 قائمة تضم الفنانين الممنوعين، وبدأت بإرسال من يعتقل منهم إلى معسكر في مدينة ترزين التشيكية في شمال بوهيميا. استعمل النازيون هذا المعتقل كواجهة تعرض على الوفود الدولية مثل الصليب الأحمر، لكنه في الحقيقة كان مركزاً لتوزيع المعتقلين على معسكرات الإبادة بعد "عرضهم" على الوفود الدولية، حتى أغلق تماماً في 1944 بعدما نقل الآلاف من معتقليه من موسيقيين وفنانين إلى آوشفيتس.

أما الموسيقى التي دعمها الرايخ الثالث ورفعها بمثابة موسيقى آرية نقية، فهي موسيقى ريشارد فاغنر (1818 - 1883) وكانت مفضلة عند هتلر. لهذا السبب لم يقدم فاغنر كثيراً في الدول الاشتراكية السابقة، ومنعت إسرائيل تقديم موسيقاه كردّ فعل، إلى أن كسر المايسترو دانييل بارنبويم هذا المنع المعاكس بتقديمه افتتاحية تريستان وإيزولده في إسرائيل سنة 2001 مما أثار عاصفة شديدة ضده هناك. وهذا أمر مفهوم، إذ استعملت الدعاية النازية موسيقى فاغنر بكثرة، بالخصوص موسيقى الفصل الثالث من دراما الفالكيرات في الأفلام الدعائية عن أخبار انتصارات هتلر. واستعمال فرانسيس كوبولا نفس المقطع لمصاحبة المشهد الرهيب للسمتيات الأمريكية وهي تقصف في حرب فيتنام في فيلمه الشهير "القيامة الآن" (1978) ليس من دون سبب.


فاغنر

ويعود تعلق هتلر بفاغنر وموسيقاه إلى عدد من الأسباب، أولها اشتراكه مع فاغنر في عدائه  لليهود، واستعمال فاغنر مواضيع الأساطير الجرمانية في أعماله، وتركيزه على موضوع البطولة وبالخصوص البطل الخارق المنقذ للأمة، والطابع الدرامي والمسرحي لموسيقاه، كل هذا جذب هتلر إليها، فلا  عجب أن تحاكي أفلام الدعاية النازية عن مؤتمرات الحزب القومي الاشتراكي التأثيرات المسرحية الفاغنرية. وفوق ذلك يمكن إضافة عامل آخر، هو اعتقاد هتلر بأنه فنان قبل أن يكون قائدا سياسياً، رغم فشله مرتين في دخول أكاديمية الفنون التشكيلية في فيينا لدراسة الرسم، ومحاولته الفاشلة في "إكمال" أوبرا فاغنر "فيلاند الحداد" سنة 1908 بعد تلقيه دروس بيانو لبضعة أشهر. ويعكس هذان الأمران خللاً سيكولوجياً تجلى في اعتقاده بامتلاكه قدرات خارقة كأي بطل من أبطال فاغنر.

من المؤسف القول أن النازيين قد نجحوا لحد ما في حرماننا من عدد كبير من الأعمال الموسيقية بسبب التعتيم عليها، وأتلفوا الكثير من الوثائق والمخطوطات المتعلقة بها. ولا نزال نجهل أعمال الكثير من هؤلاء الموسيقيين، خاصة أولئك الذين بقوا تحت رحمة النازية وأجبروا على الصمت أو الذين تمت تصفيتهم في معسكرات الاعتقال، ولا تقدم أعمالهم اليوم إلا ما ندر. لذلك نعثر في القائمة السوداء على أسماء مثل النمساوي الكسندر زملينسكي الذي قيّمه برامز عالياً، ودرست عنده آلما شندلر وأحبته قبل أن تتزوج غوستاف مالر. نجد في القائمة المؤلفة التشيكية وقائدة الأوركسترا فيتزسلافا كابرالوفا التي عاشت 25 سنة فحسب، لكنها تركت لنا كنزاً من الأعمال الموسيقية القيمة. أو التشيكي بوهوسلاف مارتينو الذي منعت أعماله على أساس سياسي بسبب معارضته للغزو النازي لبلده بينما كان يقيم في فرنسا، وقد هرب إلى الولايات المتحدة بعد احتلال فرنسا. ولا بأس من ذكر عمله ملحمة كلكامش، وهو عمل استمعت إليه سنة 1980 في بودابست.

وقد تمكن عدد من الموسيقيين من الوصول إلى هوليوود وأثروا الحياة الموسيقية هناك، مثل ماكس شتاينر (لعله أشهرهم، ألف موسيقى كنغ كونغ في 1933) وأريش كورنغولد ( حصل على جائزتي اوسكار) وفرانس فاخسمان (واكسمان) وكورت فايل وهانس آيزلر وآخرون. لم يحصل الكثير من هؤلاء الموسيقيين الألمان والنمساويين الذين اقتلعوا من بيئتهم الطبيعية على الاهتمام الذي يتناسب مع قيمتهم الفنية، وتجاهلتهم الأوساط الأمريكية، ثم تعرض اليساريون والشيوعيون منهم لاحقاً إلى عسف المكارثية. ويكفي أن نذكر النهاية المؤلمة لواحد من أعظم موسيقيي القرن العشرين، المجري بيلا بارتوك، بوفاته فقيراً مديوناً في غرفة إيجار بائسة في نيويورك سنة 1945 بعد أن تفاقم عليه المرض. ولم يكن بارتوك يهوديا ولا شيوعياً، لكنه اختار الهجرة الطوعية أملاً في الخلاص من كابوس النازية وحلفائها في المجر.

تعمل المؤسسات الموسيقية على البحث في هذه التركة الحزينة والسوداء في تاريخ الإنسانية. وتقدم اليوم المزيد من الأعمال المنسية لهؤلاء الموسيقيين الذين تعرضوا للمنع من قبل النازية، وتطلق بعض المؤسسات التعليمية برامج خاصة للتنقيب عن المخطوطات والمطبوعات ودراستها أكاديميا وتقديمها ونشرها من أجل أن يستطيع الجمهور تقييمها بنفسه. من هذه المشاريع ذلك الذي أطلقته دار أوبرا لوس أنجلس بعنوان "الأصوات المسترجعة" لتقديم أعمال أوبرالية لهؤلاء المؤلفين، وهو عنوان استعارته مدرسة كولبورن للموسيقى في لوس أنجلس في إطلاق مشروع بحثي وتعليمي ويقدم طلبة ومدرسو المدرسة أعمال العديد من المؤلفين مع التركيز على أعمال إرفين شولهوف (المدى البغدادية عدد 14 آب 2022). التركيز هنا ليس على الأعمال الموسيقية المكتوبة في معسكرات الاعتقال بالطبع، إذ لا تزيد نسبتها عن 2 بالمئة من مجموع الموسيقى الممنوعة، بل على كم كبير من الموسيقى ألف منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى 1945 طمسه النازيون، واستمر مطموساً بعد ذلك حتى اليوم استناداً إلى معايير ليست فنية، بل عنصرية وسياسية.


ثائر صالح

نشرت في صحيفة المدى أعداد 21 و 27 آب و 4 أيلول 2022


بحث هذه المدونة الإلكترونية

صدر مؤخراً

بارتوك وتجميع الموسيقى الشعبية

الجذور كان الموسيقي المجري البارز بيلا بارتوك (1881 - 1945) من بين أوائل الباحثين الذين وضعوا أسس علم الموسيقى الشعبية (Ethnomusicology)، وك...