باب الطلسم
تستعمل الدول العربية
اليوم التقويم الميلادي الغريغورياني (وهو تقويم شمسي) الذي تتكون السنة فيه من
365 يوماً وربع اليوم. وفي المشرق (وفي تركيا أيضاً) تسمى الأشهر كانون الثاني
شباط آذار ... الخ، وهي الأشهر البابلية المعروفة. أما في باقي الدول العربية
(ابتداءاً من مصر وكذلك دول الخليج واليمن) فيستعمل السكان الأشهر اللاتينية يناير
فبراير مارس .. الخ (أو الصيغة الفرنسية جانفي فيفيري .. الخ). من جانب آخر لا
تزال الدول العربية تتمسك بالتقويم العربي بسبب ارتباط مواسم الحج والصيام وغيرها
من الفروض الإسلامية بالتقويم القمري، أحد أقدم أشكال التقويم في العالم. فكيف حصل
هذا التطور في أنظمة التقويم، ولمن يعود الفضل في هذا التطور؟
الأبجدية والتقويم:
واستعمل الانسان بادئ
الأمر تقويماً قمرياً لسهولة متابعة دورة القمر وتمييزها، وعدد أيام السنة القمرية
354 يوماً. غير أنه لاحظ عدم تطابق السنة القمرية مع تناوب الفصول، فالسنة القمرية
تقل عن السنة الشمسية بحولي 1 يوماً. لهذا عمد إلى إجراء تصحيحات معينة بهدف
انطباق التقويم على دورة الفصول.
كان الكلدانيون ضليعين
في علم الفلك، فقد حسبوا مواقع الشمس والكواكب المختلفة ووضعوا لذلك جداول فلكية
دقيقة، وحسبوا قيمة السنة بدقة أربع دقائق ونصف الديقية. واستناداً لهذه المعرفة
قام الكلدانيون بتعديل السنة القمرية وفق نظام معقد عن طريق إضافة شهر كبيس ثالث
عشر سبع مرات كل 19 سنة. والتسعة عشر عاماً هذه تعرف بدورة ميتون التي اكتشفها
البابليون وأعاد اليونانيون اكتشافها لاحقاً، وتعني أن 235 شهراً قميرياً تعادل 19
سنة شمسية. وهذا التعديل يقرب السنة القمرية من السنة الشمسية كثيراً (الخطأ هو 33
دقيقة تقريباً كل 19 سنة). وأخذ العبرانيون هذا النظام الذي يمكن حسابه مقدماً من
الكلدانيين في القرن الرابع ق.م. بعد أن كانوا يستعملون سنة قمرية خالصة، واحتفظوا
بهذا النظام إلى اليوم، وأخذوا أسماء الأشهر الكلدانية – البابلية: طبيتو، شباطو،
ادارو نيسانو، ايارو، سيمانو، تموزو (أو دموزو)، آبو، ألولو (أو أولولو)، تشيرتو،
اراشامنا، وكانونو (كسليمو أو كسليفو). وهذ الأشهر بالعبرية: طبيث، شباط، ادار،
نيسان (أبيب = الربيع)، ايار (زيو)، سيوان، تموز، آب، ألول، تشري (إيثانيم)،
مرحشنان (بول)، وكسليف. وأسماء الأشهر هذه أخذها العرب والأتراك أيضاً مع تغيير
بسيط، وقبلهم الأراميون والمسيحيون والسريان والمندائيون. ولدى الصابئة تسمى
الأشهر طابيث، شباط، آدار، نيسان، أيار، سيوان، تموز، آب، ألول، تشرين، مشروان،
وكانون.
وكان لفيضان نهر النيل
المنتظم واعتماد النشاط الزراعي في مصر الفرعونية على النيل الأثر الأعظم في تطوير
المصريين القدماء لنوع من التقويم الشمسي، فقد قسموا السنة إلى 12 شهراً، كل شهر
بثلاثين يوماً، وأضافوا ”شُهيراً“ صغيراً من 5 أيام لتعديل الرقم من 12× 30= 360
يوماً إلى 365 يوماً، وهو أقل من السنة الشمسية الفلكية بأقل من ست ساعات. وعرف
المصربون القدماء ذلك الفارق، وحسبوا الدورة التي يعود عندها التطابق بين السنة
المصرية والسنة الفلكية، وهي 1460 عاماً وأسموها دورة سيث (نسبة إلى نجمة سيريوس
وهي الشعرى التي يرتبط ظهورها بفيضان النيل).
ومن الغريب أن تكون
السنة المندائية مماثلة تماماً للسنة الفرعونية بسبب بعد وطن الصابئة عن مصر
الفرعونية، وتسمى الأيام الخمسة الكبيسة لدى عامة الصابئة بالبنجة، وهو موعيد عيد
الخليقة، والأسم مأخوذ من الكلمة الفارسية بنج أي خمسة. وانحرف التقويم المندائي
عن التقويم الميلادي المستعمل حاليا بحوالي 193 يوماً، فقد قابل اليوم الأول من
كانون الثاني 1992 يوم 11 تموز حسب التقويم المندائي، أي أن آخر تعديل جرى على
التقويم المندائي حدث العام 1220 ميلادية، في أواخر أيام الدولة العباسية، وكما يبدو،
لم يعدل الصابئة تقويمهم منذ ذلك الحين.
التقويم القمراني:
استعمل القمرانيون الذين
كتبوا لفافات البحر الميت الشهيرة، تقويماً خاصاً يختلف كثيراً عن التقويم القمري
الذي استعمله باقي اليهود. فقد قسموا السنة إلى 52 اسبوعاً، بذلك تتكون سنة
القمرانيين من 364 يوماً، أي أقل من السنة الشمسية بيوم وربع اليوم. وحسب هذا
التقويم قسمت الأشهر الـ 12 إلى 4 فصول من ثلاثة أشهر، وعدد أيام الشهور الثالث
والسادس والتاسع والثاني عشر 31 يوماً، أما باقي الأشهر فتتكون من 30 يوماً، بهذه
الطريقة تبدأ السنة بنفس اليوم دائماً، يوم الأربعاء، وكذلك تقع المناسبات الدينية
في نفس اليوم من أيام الأسبوع على الدوام (أموسين ي. د.: مخطوطات البحر الميت
والجماعة القمرانية الترجمة المجرية 1986)
وهناك اختلاف آخر، إذ
يبدأ يوم القمرانيين بالفجر (النهار) وينتهي بالليل، على العكس من باقي اليهود، أي
أن النهار لديهم يسبق الليل، ولهذا ارتباط بالفكر الثنائي عندهم، والتناقض بين
الظلام ”حشوخ“ والنور ”اور“ وتفضيل النور على الظلام.
التقويم الغريغورياني
من ناحية اخرى نود أن
نلمح إلى أن التعديل الغريغورياني يشير إلى احتمال ابتكار التقويم الميلادي العام
300 بعد الميلاد. وتفسير ذلك هو أن الأيام العشرة التي جرى حذفها من التقويم تعني
10×128,2 = 1282 سنة، وعند حذف هذا الرقم من سنة 1582 نحصل على سنة 300م. وهذا
العام (